تأمّل في الحوار الذاتي التنظيم لأمة لأجل الأرض والتابع للتقييم الأخلاقي العالمي لقمّة المناخ COP30

“وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ، وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ” (سورة الرحمن، الآيات 7-9)

مع استعداد العالم لقمّة المناخ COP30، يبرز نموذج عالمي جديد يعيد تعريف الطريقة التي نفكّر بها في العمل المناخي، وهو ما يُعرف بالتقييم الأخلاقي العالمي GES لقمّة المناخ COP30. هذه المبادرة، التي أُطلقت في الفترة التي تسبق قمّة المناخ COP30، تتضمّن نداءً للبشرية لتجاوز الأرقام وأهداف الانبعاثات وطرح السؤال الأعمق: لماذا لا نزال نمارس العادات التي نعلم أنها تقتل كوكبنا؟

 

إنّ التقييم الأخلاقي العالمي هو مبادرة رائدة أطلقها الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا والأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش. وهي دعوة إلى محاسبة روحية أخلاقية، على عكس التقييمات المناخية التقليدية التي تقيس التقدّم بناءً على البيانات الرقمية. يتحدّى هذا التقييم المجتمعات الدينية والشعوب الأصلية والشباب والمجتمع المدني للنظر في القيم والأنظمة والسلوكيات التي تحتاج إلى التحوّل من أجل تحقيق تغيير فعلي.

استجابةً لهذه الدعوة، نظّم تحالف أمّة لأجل الأرض مناقشة ثنائية اللغة (عربية-إنجليزية) في سبتمبر/أيلول 2025 لإدماج بُعد أخلاقي إسلامي في هذا الحوار. كان سؤال النقاش: ما هي النواقص الأخلاقية في طريق العمل المناخي، وكيف يمكننا أن نستمد الإلهام من النماذج الإسلامية، استنادًا إلى الميزان (التناغم الإلهي) والطيّب (المنفعة الخالصة)؟

ركّزت التأمّلات في هذا الحوار على التمويل الإسلامي. على الرغم من أنّه يعمل على مبادئ العدالة والتوازن والحفاظ على البيئة، فإنّ جزءًا كبيرًا منه لا يزال يموّل الأنظمة التي تسبّب الدمار البيئي في جميع أنحاء العالم. هذه المفارقة توضح لماذا توجد حاجة ملّحة لإعادة تأطير أنظمتنا المالية بناءً على النية الأخلاقية التي تجعل التمويل الإسلامي حقًا اقتصادًا طيبًا، يكون دواءً ويخلق التوازن.

توصل النقاش الى خلاصة ان هناك ثلاث عوائق تمنع إطلاق قدرات التمويل الإسلامي:

  • أوّلًا، هناك تبّني لمقاربة النمو، الفلسفة التي ترى أن النجاح هو التوسّع وليس التوازن. فالبنوك الإسلامية النّجاح بالعوائد الفصليّة، معَ أنّها تدركُ أنّ هذا القياس ينتهكُ مبدأ الميزان الأساسيّ.
  • ثانيًا، التّحكّم المالي الاستعماريّ، بحيث لا تتمّكن الدول الإسلامية من حماية شعوبها لأنّها مقيّدة بديون غير شرعية. تدفع باكستان 10 مليار دولار سنوّيًا للمدينين في حين 33 مليون شخص من شعبها يواجهون الفيضانات. وكُلّ مصرفٍ إسلاميّ مرهونٌ بمصارف مراسلة غربيّة تقدرُ على إنهاء علاقاتها بِه في أيّ لحظة. وهذا نوع من أنواع التقييد.
  • ثالثًا، تجزئة المعرفة، حيث أنّ العلماء والممّولين والنشطاء يتحدثون لغات مختلفة، وكل نصف يعرف نصف الحقيقة فقط، ولم يجمعوا المعلومات معًا أبدًا. إنّ أغلبية المسلمين لا يعرفون أن الزكاة تستطيع تمويل العمل المناخي وهو سوء فهم يعيق مبادرة الملايين.

يكمن الجواب في مفهوم الطيّب، أي النقي، المفيد، النافع. يجب أن تكون المالية حلالًا والأهم طيبًا – شافيًا، دواءً، مانحًا للحياة. حقيقة أن الاستثمار الحرام الذي يدمر الكوكب هو حرام في تأثيراته يعني أنه حرام. السندات الخضراء في ماليزيا، والبرامج المتجددة في إندونيسيا، ومشاريع الطاقة الشمسية بدون ديون في الأردن تجعل ذلك ممكنًا. حان الوقت لتقديم معيار مالي جديد: الطيّب.

قمة المناخ COP 30 في بيليم ليست كأي قمة مناخية أخرى. إنه اختبار أخلاقي للبشرية، للأمة.

هل يمكن أن يكون التمويل الإسلامي مقاربة للتوسع اللانهائي فقط؟ أم هل سيتعالى ليلتزم بمفهوم الميزان الذي كُلفنا بحفظه؟

دعوات العمل التي توصّل إليها هذا الحوار: 

يجب أن يُنظر إلى التمويل الإسلامي كعضو متساوٍ في حوكمة المناخ العالمية بدلاً من كونه شيئًا ملحقًا بها.

شطب الديون الاستعمارية التي تجبر الدول على اتخاذ قرار بين الدائنين وحماية المناخ.

اعتماد معايير “الطّيب” من أجلِ تمويلٍ نافعٍ بدلًا من التّمويل الأقلّ ضررًا.

إزالة الحواجز والقيود التي لا تسمح بمرور التمويل البيئي الإسلامي بحرية.

جمع العلماء والماليين والشباب معًا لاستعادة التوازن معًا.

دعم بنية مالية بديلة قائمة على القيمة الحقيقية، وليس على المال القائم على الدَّين.

إلزام التحوّلات العادلة بالاستناد إلى الأطر الإسلامية التي تحمي المجتمعات الأكثر ضعفًا

المیزان لیس آية، بل عهداً. انسجام السماء، عدالة الأعمال، نبض الحياة. ما إذا كنا نستطيع استعادته ليس هو السؤال. ما إذا كنا سنفعل ذلك أم لا هو السؤال. بما أنّ العلاج موجود بالفعل، فهو في إيماننا، في قلوبنا، وفي الأمة، يجب إيقاظ الاقتصاد الأخلاقي للإسلام. حان الوقت لاستعادة الميزان.