تشكّل الأزمة المناخية خطراً محدقًا وكبيراً بصفتها إحدى أسباب المجاعات والكوارث الإنسانية. وقد حفّز هذا الواقع على إنشاء دعوات واسعة للتخلّص من الإعتماد على الوقود الأحفوري. إلّا أنّ التحول إلى الطاقة النظيفة لا يقتصر على التوقف عن الاستثمار في الوقود الأحفوري فقط، بل يتطلب اتخاذ إجراءات ملموسة وتمويلاً كبيراً. ينبغي أن نتوقف فعليًا عن الاعتماد على مصادر الطاقة الملوِّثة، عاملين بموازاة ذلك على تسريع عملية التحوّل نحو مصادر الطاقة المتجددة.

يتطلب التصدّي لتغيّر المناخ مقاربة متعددة الجوانب، يشكل التمويل من بينها جانباً أساسياً. ثمة ثلاثة أنواع من التمويل تدعم التكنولوجيات النظيفة والبنية التحتية المرنة والمجتمعات الأكثر عرضة، هي كما يلي:

الأموال العامة، ومصدرها الميزانيات الوطنية والضرائب والتعاون العالمي. وتؤدي الأموال العامة كذلك دوراً كبيراً في إزالة المخاطر المرتبطة بالتكنولوجيات النظيفة عبر توفير الهبات والضمانات الائتمانية، وعبر تشجيع الاستثمار من جانب القطاع الخاص.

الأموال التجارية، ومصدرها المصارف ومؤسسات الاستثمار والشركات. وتُقدّم هذه المؤسسات، وعلى نحو متزايد، السندات الخضراء وفرص الاستثمار المؤثِّر والقروض المرتبطة بالاستدامة. ويتيح هذا الأمر للشركات وللأفراد على حدٍّ سواء الاستثمار في مشاريع تؤتي، إلى جانب العائدات المالية، نتائج بيئية واجتماعية إيجابية.

الأموال الخيرية، ولها دور فعّال في دعم الحلول المبتكرة بشكل خاص، أو في سدّ الثغرات حيث تخضع الأموال العامة أو التجارية لقيود مرتبطة بتقييمات المخاطر والعائدات التي ترتبط بمشاريع الاستثمار. وقد تؤدي كذلك دوراً أساسياً في رفع مستوى الوعي وفي المناصرة لوضع سياسات مناخية أكثر فعالية وحازمًا.

من شأن التمويل العام والتجاري والخيري المٌدمج أن يُنشئ بيئة مالية متينة تدعم عملية الإنتقال العادل.

التمويل الإسلامي المُدمج

تضم هيكلية التمويل الإسلامي المُدمج كل من النشاطات التجارية والصدقات:

التجاري، يُقصد منه النشاطات التجارية التي تبغي الربح والتي تتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية. وقد تكون بعض مظاهرها تقاسم الأرباح واجتناب المعاملات القائمة على الفائدة.

التبرع، يركّز على الهبات الطوعية والنشاطات الخيرية، ويشمل الزكاة والإنفاق والصدقات والأوقاف كوسيلة للعطاء للمجتمع وللمحتاجين. ويحاكي استخدام الأوقاف للتمويل المناخي الأمثلة التاريخية عن الأوقاف الطبيعية في زمن النبي محمد، مدفوعاً بمفهوم “الخليفة” الذي يؤكد على الخلافة المسؤولة على موارد الأرض. وتشمل تلك الأوقاف المزارع التي وقفها الخليفة عمر والبئر التي وقفها الخليفة عثمان.

وتُعتبر أموال الوقف، عموماً، أكثر ملاءمة للتمويل المناخي مقارنة بأموال الزكاة والإنفاق والصدقات، نظراً لاستدامتها في الأمد الطويل، بما أن الأوقاف تنشئ وقفية وهدفاً محدداً لمشاريع محددة متعلقة بالمناخ، إضافةً إلى إمكانية التوقّع التي تتيح تخطيطاً وتنفيذا أفضل للمشاريع المناخية، وقابلية التوسع التي تتيح النمو مع الوقت عبر إعادة استثمار الدخل الناتج.

يوفر التمويل الإسلامي أداة فريدة للعمل المناخي من خلال التمويل المُدمج. وتتيح هذه المقاربة الاستثمار في الأوقاف بما يتناسب مع أحكام الشريعة المرتبطة بالتجارة. ومن شأن ذلك أن يتيح لهذه الأموال أن تنمو وأن تصبح أكثر إنتاجية، وأن تولّد في نهاية المطاف المزيد من الموارد للتبرع. ويجمع التمويل المُدمج بين أموال التبرع هذه وبين الأموال العامة التجارية، ومن شأن ذلك أن يساعد على تجاوز العوائق المالية وعلى تسريع نمو المشاريع الصديقة للمناخ.

islamic finance climate action ummah for earth
© ummah for earth

منافع التمويل الإسلامي المُدمج كأداة للعمل المناخي

يشكّل التمويل المُدمج أداة فعالة في حشد الموارد وتسريع العمل المناخي. ومن شأنه أن يسد الثغرة التي نجدها في التمويل المناخي، وأن يعزز مستقبلاً أكثر استدامة، وذلك بالدمج بين الأموال العامة والتجارية والخيرية.

إزالة المخاطر، حيث تُستخدم الأموال العامة والخيرية، إستراتيجياً، في تخفيف المخاطر التي ترتبط بالمشاريع الخاصّة بالمناخ في البلدان النامية. وقد يشمل ذلك توفير ضمانات ائتمانية، وضمانات الخسارة الأولى (تغطية الخسائر الأساسية)، أو المساعدة التقنية.

حشد رؤوس الأموال الخاصة بخفض المخاطر المتصورة؛ يجعل التمويل المُدمج المشاريع المناخية أكثر جاذبية في أعين المستثمرين من القطاع التجاري، حيث يتيح لهم الاستثمار إلى جانب الأموال العامة والخيرية، ومن شأن ذلك أن يحقق زيادة كبيرة في إجمالي رأس المال المتوفر للعمل المناخي.

استهداف الاحتياجات الخاصة لدعم أنواع مختلفة من المشاريع. قد يُستخدم هذا النوع من التمويل، على سبيل المثال، لتمويل الابتكارات في مراحلها المبكرة ولتنمية البنية التحتية، أو لتنفيذ مشاريع التكيف في المجتمعات الهشة.

يُنشئ التمويل الإسلامي، لدى ضمه إلى التمويل المُدمج، تآزراً قوياً وفريداً تستفيد منه المنظمات الخيرية:

يحد التمويل الإسلامي من التعقيد لتوفيره إطاراً مألوفاً ومبسطاً لإدارة النشاطات التجارية والصدقات. ويمكن استثمار الأموال الخيرية عبر أدوات توافق الشريعة مثل تمويل التجارة، دون تجاوز المبادئ الدينية.

خلافاً للهبات التقليدية والتي يمكن أن تنفد مع الوقت، تتيح الأدوات المالية الإسلامية للأموال الخيرية أن تنمو وتغدو أكثر إنتاجية. ومن شأن ذلك ضمان استدامة تدفق الموارد لأجل مشاريع خيرية مستقبلية (تبرع).

يمكن تصميم هياكل تمويل مدمج تتوافق مع مبادئ الشريعة، بما يضمن عمل المنظمات الخيرية على مبدأ أخلاقي ومسؤول وتحقيقها أكبر الأثر في الوقت نفسه.

يمكن لمؤسسات التمويل الإسلامي أن توفر الخبرة في الأدوات المالية التي تتوافق مع الشريعة، فتسهل على المؤسسات الخيرية استخدام مواردها استخداماً فعالاً وإستراتيجياً.

ينمو القطاع المالي الإسلامي نمواً مضطرداً، حيث بلغت قيمته 3 تريليون دولار أميركي. ويمثّل هذا القطاع فرصة فريدة لمعالجة مسألة التغير المناخي، إذ يتماشى مبدؤه الرئيسي الذي يشدّد على الاستثمار المستند إلى قواعد أخلاقية وعلى حظر بعض النشاطات مثل رسوم الفوائد، مع أهداف الخلافة البيئية، تماشياً طبيعياً.

يستطيع التمويل الإسلامي – مع التمويل المُدمج – أن يمكّن المؤسسات الخيرية من تأمين استدامتها مالياً ومن زيادة أثرها في العمل المناخي. وينشأ من هذه المقاربة المبتكرة حلقة إيجابية، حيث تغذي الصدقات الاستثمارات في المشاريع المستدامة، ومن شأن ذلك توليد العائدات التي يمكن استخدامها في المزيد من الخير الإجتماعي والبيئي.

كذلك، يمكن للمؤسسات المالية الإسلامية أن تبعث برسالة قوية عبر سحبها، إستراتيجياً، الاستثمار من القطاعات المؤذية كالوقود الأحفوري. ولا تقتصر فائدة ذلك على الفائدة البيئية وإنما من شأن ذلك  أن يحرر رأس المال أيضاً لاستخدامه في بدائل مستدامة ضمن اقتصاد أخضر نامٍ. ومن شأن هذا التحول في الاستثمار أن يعبّد الطريق أمام فرص جديدة للعائدات المالية وللأثر البيئي الإيجابي على حدٍّ سواء.

شاركونا في التعليقات أدناه. هل توافقون أنّ لقطاع التمويل الإسلامي دورًا يلعبه في العمل المناخي؟