
لم يعد تغيّر المناخ تهديداً مستقبلياً، بل أصبح واقعاً تعاني منه العديد من الدول الإسلامية التي تواجه أثارًا متكرّرة وثقيلة وطويلة الأمد ومنها ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه والنزوح وفقدان التنوع البيولوجي. بدءاً من الفيضانات التي ضربت القرى الباكستانية وصولاً إلى الجفاف في اليمن، تعد المجتمعات الإسلامية حول العالم في طليعة التدهور البيئي وعلى الرغم من معاناة هذه الشعوب إلا أنها لا تزال غير ممثلّة بالشكل الكافي في المحافل الدولية. لكن لحسن الحظ، هناك دائماً أمل نجده في المساجد كما في الجامعات الإسلامية التي تنمي القيم والمعرفة والقيادة بحيث يلعب الأئمة دوراً مهماً وفعالاً في قيادة العمل البيئي في مجتمعاتهم .إن دورهم لا يقتصر فقط على كونهم قادةً دينيين، فلهم تأثير كبير على الرأي العام وسلوكيات الأفراد. لهذا السبب يجب على الأئمة أن يكونوا في طليعة المبادرات البيئية. إنّ المسلمين مستخلفون على هذه الأرض، لذلك يقع على عاتقهم واجب الحفاظ على البيئة ومواجهة التحديات المناخية التي تهدد كوكبنا. الخلافة مفهوم جوهري في الإسلام حيث تكلف البشر بمهمة رعاية الأرض وحمايتها. الآية من سورة فاطر (الآية 39) تؤكد هذا المعنى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ…﴾
دور الأئمة في العمل المناخي
يمكن للأئمة أن يلعبوا دوراً هاماً وفعالاً في تعزيز العمل البيئي من خلال تطويع موقعهم وقدراتهم داخل المجتمعات الإسلامية لتعزيز الوعي البيئي وتشجيع الإجراءات المستدامة حيث يمكنهم ربط العمل المناخي بالقيم الإسلامية الأساسية المتمثلة في خلافة الأرض ورعايتها والعدالة الاجتماعية. كما يمكن للأئمة تسليط الضوء على التعاليم الإسلامية حول رعاية البيئة مؤكدين على أنها واجب ديني.
يعتبر الأئمة معلمين ومرشدين وقدوة حسنة وأشخاص موثوقين في المجتمعات الإسلامية لذا يمكنهم التأثير على الرأي العام والسلوكيات للأفراد مما يجعلهم في وضع يؤهلهم لقيادة الوعي البيئي وإلهام المبادرات المحلية الشعبية. إنّ العدالة البيئية متجذّرة في الإسلام، وعلى الرغم من أن الحفاظ على البيئة هو جوهري في القيم الإسلامية فإنّ هذا المفهوم منفصل عن التعليم الديني. وهكذا عندما تدمج الأخلاقيات البيئية الإسلامية بشكل جيد في المناهج التعليمية الدينية، يمكن للأئمة ربط الفقه بالعدالة المناخية وذلك لتمكين المجتمعات الإسلامية من العمل ليس فقط روحيا بل أيضا بشكل مستدام .
دمج المواد البيئية في التعليم العالي الإسلامي
أجرى د. عودة الجيوسي، وهو أحد حلفاء أمّة لأجل الأرض، دراسة لتحليل المناهج الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتشمل كليات الشريعة، حيث قام بتقييم مدى إدماج المواد التعليمية البيئية في هذه المناهج. أظهرت الدراسة أن الأئمة غالبًا ما يخضعون للتعليم الديني الأكاديمي فقط، بينما لا تحتوي المواد الاختيارية على مضامين بيئية، كما أن التعليم البيئي غير مدمج بشكل منهجي.
تسعى منظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كجزء من حالف أمّة لأجل الأرض ومن خلال العمل مع جامعات إسلامية رئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وإندونيسيا، إلى دمج التعليم البيئي في برامج الشريعة والفقه. وتتمثّل رؤية هذه المبادرة في شبكة نافذة من العلماء والتلامذة الذين يتمتعون بالوعي في كونهم مستخلفين على هذه الأرض ويؤمنون بأهمية العمل البيئي.
إنّ الهدف من هذه المبادرة هو إنشاء شبكة من العلماء والأئمة ومؤسسات التعليم العالي الإسلامية الملتزمة باستخدام الطاقة المتجددة عوضًا عن الوقود الأحفوري. وبإمكان هذه الشبكة إلهام المجتمعات وتوجيهها نحو تبني مبادرات مناخية جوهرية. يركّز المشروع بشكل كبير على التعليم البيئي في مؤسسات التعليم العالي الإسلامية من خلال الجمع بين المؤسسات الأكاديمية والقيادات الدينية والمؤثرين والمؤسسات الدينية. وتتمثّل الرؤية الطويلة الأمد في تغيير السرديات السائدة ورفع الأصوات المسلمة ضمن المحافل المناخية العالمية من خلال تشجيع الجهات الفاعلة الأكثر نفوذاً على تعبئة مجتمعاتها حول البدائل المستدامة المنبثقة من الطابع الديني.
أهداف هذه المبادرة:
إصلاح المناهج الدراسية ودمج العلوم البيئية والاستدامة في تدريب أعضاء هيئة التدريس في الدراسات الإسلامية وتزويد الأساتذة بالأدوات اللازمة لتعليم الأخلاقيات البيئية من وجهة نظر إسلامية.
تمكين الطلاب وإشراك المجموعات الطلابية في قيادة الحملات والمبادرات المجتمعية.
الدعم المؤسساتي من خلال إطلاق وإنشاء مراكز للتثقيف حول أزمة المناخ بالتعاون مع الجامعات الإسلامية التي ستقوم بدورها بمثابة مركز للبحث والدعوةالمشاركة في صنع السياسات والعمل مع الهيئات الحكومية إلى جانب الدعوة إلى سياسات جديدة تدعم التعليم المناخي.
إنّ ما نعمل عليه ليس مفهوما جديدا، إنه مفهوم إسلامي يتماشى مع مبادئنا الإسلامية. أحد أهم الأفكار والمفاهيم لهذا المشروع هو لا مركزية النضال من أجل العمل المناخي. فبدلا من انتظار الحلول يمكّن هذا النموذج الأفراد من الاعتماد على الحلول المحلية. لذا فهو عمل مجتمعي سواء كان للتشجيع على التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري أو تعزيز التمويل الإسلامي الأخضر أو ببساطة تنظيم حملات توعية وتنظيف بعد صلاة الجمعة. كل عمل متجذر في المجتمع وقائم على وجهة نظر إيمانية يساهم في إيجاد حلول محلية وحلول للأزمة المناخية العالمية.
نحن اليوم على أعتاب رحلة تحوّلية تجمع بين الإيمان والتعليم والعدالة البيئية. نُعلن رسميًا عن إطلاق حملة “التعليم الإسلامي العالي لأجل عمل مناخي مستدام”، وندعو الجامعات والأئمة والعلماء والطلاب والحلفاء في مختلف أنحاء العالم الإسلامي إلى النهوض والقيادة والانضمام إلى هذه المبادرة.
وقّعوا على عريضة تحالف أمّة لأجل الأرض التي تطالب الجامعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بإدماج المواد التعليمية البيئية في المنهاج التعليمي للأئمّة!
ملاحظة: تم إجراء دراسة مماثلة في إندونيسيا بالشراكة مع جامعة Pusat Pengkajian Islam dan Masyarakat. نحن نعمل بشكل وثيق مع PPIM وكل من وزارة التربية والتعليم ووزارة الشؤون الدينية لمحاولة دمج المواد التعليمية البيئية في التعليم الإسلامي العالي.