يساهم اليوم العالمي للبيئة في نشر الوعي حول وتحفيز العمل على المسائل البيئة الملّحة. يشكّل التلوث البلاستيكي محور هذه المناسبة لعام 2023، وهو يُعتبر تحديًا عالميًا كبيرًا يهّدد صحة الكوكب وجميع سكانه.
يتطّلب التلوث البلاستيكي حلولًا متعدّدة الأوجه كونه مشكلة معقدّة. اتخّذت الحكومات والشركات خطوات لمعالجة هذه المشكلة، لكنها ليست كافية. نحن الآن موجودون في مرحلة حيث ينبغي علينا أن نبادر سريعًا وأن نتحوّل إلى الإقتصاد الدائري.
والإقتصاد الدائري هو نموذج اقتصادي يهدف إلى الحفاظ على إمكانية استخدام الموارد لأطول مدّة متاحة وإلى الحد من توليد المخلّفات وخفض التلوث. إذ يعاد إستخدام المنتجات والمواد أو إصلاحها أو إعادة تدويرها، وبذلك يتم تقليل المخلّفات.
ينسجم مفهوم الاقتصاد الدائري، من منظور إسلامي، مع مبادئ التنمية المستدامة وحماية البيئة والإدارة المسؤولة للموارد. إنّ مفهوم الحفاظ على الموارد في الدين الإسلامي موجود في جذور مبادئ التوحيد التي تؤكد على وحدانية الله والخلافة أي مسؤولية الإشراف على الأرض ومواردها.
يحتوي القرآن الكريم والحديث على مقتطفات عدّة تشير إلى أهمية الحفاظ على البيئة والاستخدام المسؤول للموارد. على سبيل المثال، في سورة البقرة، الآية 60، يأمر الله: “كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ”.
يؤكّد مفهوم الصدقة الجارية أو بما معناه الأعمال الخيرية المستمرة في التقاليد الإسلامية على أهمية ترك تأثير إيجابي ودائم على العالم. يمكن تطبيق هذا المفهوم على الاقتصاد الدائري حيث يتّم استخدام الموارد ثم تجديدها بطريقة مستدامة، ممّا يؤثّر إيجابيًا على البيئة والمجتمع. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام مبادئ التمويل الإسلامي، مثل الزكاة أو الصدقة، لدعم مبادرات الإقتصاد الدائري من خلال توفير التمويل للأعمال والمشاريع المستدامة التي تعزّز الحفاظ على الموارد وحماية البيئة.
بشكلٍ عام، يتوافق الاقتصاد الدائري مع القيم والمبادئ الإسلامية، ويمكن اعتباره نموذجًا للتنمية المستدامة يعزّز الاستخدام المسؤول للموارد وحماية البيئة وترك تأثير إيجابي على الأجيال القادمة.
اللدائن الدقيقة (ميكروبلاستيك)، العادات الاستهلاكية ومستحضرات التجميل
تُعتبر اللدائن الدقيقة من إحدى أكثر جوانب التلوّث البلاستيكي إثارةً للقلق. تتواجد هذه الجزيئات الصغيرة في كل ما نستعمله يوميًا من الملابس ومستحضرات التجميل إلى السجائر. وتنتشر هذه الجزيئات في البيئة بواسطة مجموعة متنوعة من المصادر، بما في ذلك النفايات البلاستيكية البحرية ومياه الصرف الصحي ومرافق الإنتاج.
وتؤثّر اللدائن الدقيقة بشكل سام وميكانيكي على الحياة البحرية ويمكن أن تؤدي إلى مشاكل مثل انخفاض المدخول الغذائي والاختناق والتغيرات السلوكية والتغيير الجيني. وقد تؤثر اللدائن الدقيقة على البشر أيضًا. إذ قد نستنشقها من الهواء ونتناولها من الماء ونمتّصها عبر الجلد.
وأظهرت الدراسات أن اللدائن الدقيقة يمكن أن تتراكم في الجسم، ممّا يتسبّب في مشاكل صحية كبيرة مثل الالتهابات وتلف الأعضاء.
يركّز الإسلام على الحفاظ على البيئة وحمايتها. يتّم تشجيع المسلمين على أن يكونوا خلفاء للأرض وأن يهتموا بخلق الله كله. فالنبي ﷺ قال: إن الدنيا حلوة خَضِرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون” – رواه مسلم.
يجب أن نسعى جاهدين، كمسلمين، لتقليل بصمتنا البلاستيكية ولتجنّب المنتجات التي تساهم في تلوث محيطاتنا وتضّر بجميع المخلوقات. يجب علينا أيضًا دعم الحملات والمبادرات التي تهدف إلى التصدي للتلوث البلاستيكي، مثل حملة البحار النظيفة و حملة الالتزام العالمي بالاقتصاد البلاستيكي الجديد.
يمكننا أن نصنع الفرق
يسلّط الحديث الإسلامي، “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى”، الضوء على أهمية النظر في الدوافع وراء أفعالنا. يمكن تطبيق هذا المبدأ على العديد من جوانب الحياة، بما في ذلك على عاداتنا الإستهلاكية.
بإمكاننا أن نصنع فرقًا من خلال اختيار المنتجات التي تحتوي على الحد الأدنى من التغليف وفحص قوائم المكونّات لتجنب المنتجات التي تحتوي على اللدائن الدقيقة. يمكننا أيضًا استخدام بدائل طبيعية وصديقة للبيئة لمنتجات العناية الشخصية التقليدية التي تحتوي على ميكرو بلاستيك.
تسيّر النزعة الاستهلاكية جوانب عدّة من حياتنا اليومية. فنحن نتعرّض باستمرار لسيل من الإعلانات والرسائل التي تشجّعنا على شراء المزيد واستهلاك المزيد والعيش بأسلوب حياة يدور حول الممتلكات المادية.
وعلى الرغم من ذلك، تتبلور أهمية أخذ الدوافع الكامنة وراء خياراتنا الإستهلاكية بعين الإعتبار. فهل نشتري الأشياء لمجرد أننا نريد أن نشعر بأننا جزء من مجموعة معينة أم لأننا بحاجة إلى مواكبة أحدث التوجهات والصيحات؟ أم لأننا نتخذ خيارات واعية على أساس قيمنا وأولوياتنا؟
وإذا قاربنا النزعة الاستهلاكية بقصد اختيار المنتجات التي تتماشى مع قيمنا بعناية، فيمكننا إحداث تأثير إيجابي على العالم. على سبيل المثال، يمكننا اختيار شراء المنتجات ذات المصادر الأخلاقية والصديقة للبيئة والتي تنتجها الشركات التي تعطي الأولوية للمسؤولية الاجتماعية.
من المهم أيضًا مراعاة تأثير خياراتنا الإستهلاكية على رفاهيتنا الروحية. غالبًا ما يشجّعنا سوق السلع الاستهلاكية السريعة على الحصول على أرخص الخيارات وأسهلها، ولكن هذا يمكن أن يكون له تكلفة كبيرة على البيئة. عندما نبذل الجهد لنكون على دراية ونختار بشكل صحيح وواعٍ، يمكننا تقليل تدفّق البلاستيك في المحيطات والحفاظ على الموارد للأجيال القادمة.
يمكننا أيضًا بناء أسلوب حياة أكثر استدامة من خلال التعامل مع النزعة الاستهلاكية بقصد اختيار المنتجات التي تتماشى مع قيمنا بعناية واستخدام مواردنا لإحداث تأثير إيجابي على العالم.
لنعسى أن نستهلك بوعي مع إدراك تأثير خياراتنا ملتزمين بخلق مستقبل أكثر استدامة للجميع. يقول الحديث الإسلامي “وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى” وهذا يعني أن نوايانا لا تقل أهمية عن العمل نفسه. عندما يتعلّق الأمر بالعادات الاستهلاكية وتأثيرنا على البيئة، من المهم دراسة نوايانا وعواقب أفعالنا.
لا يكفي إلقاء اللوم ببساطة على البلدان أو المجتمعات الأخرى في مشكلة التلوث البلاستيكي. بدلاً من ذلك، يجب أن نتحمل المسؤولية عن أفعالنا وإجراء تغييرات في عاداتنا الاستهلاكية. من خلال القيام بذلك، يمكننا خلق تأثير مضاعف وإلهام الآخرين لفعل الشيء نفسه.
أزمة التلوث البلاستيكي هي تذكير بأن أفعالنا لها عواقب. يجب علينا جميعًا تحمل المسؤولية وإجراء تغييرات في حياتنا اليومية لتقليل بصمتنا البلاستيكية. من أجل #دحر_التلوث_البلاستيكي، يجب على الجميع أخذ خطوات نحو مستقبل أكثر استدامة. معًا، يمكننا أن نصنع الفرق.