يرشد الإيمان العديد من الناس في حياتهم ويحفزّهم على التحسين من ذاتهم ومن العالم الذي يحيطهم على مختلف الأصعدة. إنّ العمل المناخي هو أحد هذه الجوانب ويمكن أن ينبع من التعاليم الدينية. لقد ثبُت، مع مرور الوقت، أنّنا بحاجة إلى مشاركة الجميع لنتمكّن من التصدّي لتغيّر المناخ بشكل فعّال ومن العمل لصنع سياسات شاملة وعادلة. إليكم خمس أسباب تجعل من المؤمنين والجهات الدينية قوّة يُعوّل عليها لأجل كوكب صالح للعيش.

85٪ من سكان العالم ينتمون إلى دين معيّن ويشكلّون قوّة قادرة على فعل المستحيل

أظهرت الأبحاث أن أكثر من 5.8 مليار شخص على كوكبنا ينتمون إلى مجموعة دينية معيّنة. هذا يعني أن حوالي 85٪ من الناس على الأرض يتبعون الأديان المختلفة.

كما أن نصف المدارس و 40٪ من المرافق الصحيّة في بعض البلدان تملكها أو تديرها المجموعات الدينية، وبالتالي تتبلور أهمية أن يشمل تدريب وتعليم القادة الدينيين للقضايا البيئية بشكل يرفع الوعي البيئي من الناحية النظرية والتطبيقية، على غرار ما يحاول تحالف أمّة لأجل الأرض تحقيقه بالإضافة إلى بعض المجموعات الدينية الأخرى.

بالإضافة إلى ذلك، تمتلك المؤسسات الدينية ما يقارب 8٪ من إجمالي الأراضي الصالحة للسكن وتشكّل ثالث أكبر مجموعة في العالم من المستثمرين الماليين. مسألة التمويل أساسية: ففي مواجهة التمويل الدولي غير المنظم المدفوع بالربح القصير الأمد، تكتسب النماذج البديلة أهميّة، مثل التمويل الإسلامي.
إلتزم الكثير من بين مليارات الأشخاص الذين تدفعهم قيمهم بالتصدّي للأزمة البيئية والإجتماعية بطرق متنوعة. أمّا الآخرون فإنّهم غير فاعلين بعد لكنّهم يفهمون الحجج التي تسلّط الضوء على التقاطع بين قيمهم الدينية والعمل البيئي، ممّا يجعلهم مصدر تأثير بيئي إيجابي لا يمكن غض النظر عنه.

شاركت الجهات الدينية دائمًا في المبادرة والتحرّك ودفعت إليهما

جمعية الجيل الأخضر البيئية في الأردن، مبادرة لإعادة التشجير في محميّة دبين
جمعية الجيل الأخضر البيئية في الأردن، مبادرة لإعادة التشجير في محميّة دبين

على مرّ التاريخ، لعبت المجتمعات الدينية دورًا فاعلًا في الدعوة إلى العدالة البيئية والإجتماعية، مدفوعةً غالبًا بتعاليمها وقيمها الدينية.

تظهر العديد من الأمثلة حول العالم تتعلّق بكون القادة الدينيين والأشخاص المؤمنين غالبًا جهات رئيسية في إحداث التغيير مثل حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة.

وهذا ينطبق أيضًا على المسائل البيئية. إذ نجحت حركة تشيبكو، وهي حركة بيئية شعبية قادتها نساء محليات في السبعينيات ومستوحاة من التقاليد الهندوسية لتقدير الطبيعة، في حماية العديد من الغابات وضمان حقوق المجتمعات من خلال موارد الغابات. قاومت مجتمعات السكّان الأصليين في البرازيل، بما في ذلك شعب الكيابو، بناء سد بيلو مونتي على نهر شينغو، وأوقفت بنجاح بناءه لعدّة سنوات إنطلاقًا من معتقداتهم الروحية وتراثهم الثقافي. في عام 2018، كافح سكان موندروكو الأصليين في البرازيل لحماية أراضيهم من مشروع بناء من شأنه أن يغمر منطقة بحجم مدينة نيويورك ويؤثّر بشكل مباشر على حياتهم وسبل عيشهم، بما في ذلك ممارساتهم الروحية.

قلق القادة الدينيين والمجتمعات الدينية واهتمامهم بالأزمات الطبيعية والمناخية

لافتة تحالف أمّة لأجل الأرض أمام مسجد غلاسكو المركزي خلال قمّة المناخ COP26. في ذلك الأسبوع، انضمّت منظمة الإغاثة الإسلامية عبر العالم ومنظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ممثلين التحالف ل"تخضير" أكبر مسجد في اسكتلندا، مسجد غلاسكو المركزي، وتركيب 130 لوح شمسي على أمل تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير.
لافتة تحالف أمّة لأجل الأرض أمام مسجد غلاسكو المركزي خلال قمّة المناخ COP26. في ذلك الأسبوع، انضمّت منظمة الإغاثة الإسلامية عبر العالم ومنظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ممثلين التحالف ل”تخضير” أكبر مسجد في اسكتلندا، مسجد غلاسكو المركزي، وتركيب 130 لوح شمسي على أمل تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير.

يؤكّد البابا فرانسيس في منشوره البابوي “Laudato Si” الذي صدر في عام 2015 على الأهميّة الأخلاقية للخلافة البيئية القائمة على التعاليم الإجتماعية الكاثوليكية. ويبرهن الإعلان الإسلامي حول تغيّر المناخ، الصادر أيضًا في عام 2015 عن مجموعة متنوّعة من المشاركين بما في ذلك العلماء والأكاديميين المسلمين والجهات الفاعلة البيئية وصانعي السياسات وممثلين عن مختلف المنظمات الإسلامية، عن المسؤولية الأخلاقية للمسلمين لمعالجة تغيّر المناخ وآثاره. كما أصدرت مجموعة من العلماء المسلمين البارزين من جميع أنحاء العالم وثيقة “الميزان: عهد من أجل الأرض” في الدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدّة للبيئة سنة ٢٠٢٤.

وتعليقًا على ظواهر الطقس المتطرّفة مثل الفيضانات في تركيا ودرجات الحرارة الحارقة في العراق في عام 2021، طالبت السلطة الدينية السنية الرائدة، فضيلة الإمام الأكبر للأزهر في مصر د. أحمد الطيب، باتخاذ إجراءات جادة بشأن تغير المناخ.

وتظهر الإستطلاعات الحديثة أنّ الأغلبية في كل المجموعات الدينية الرئيسية تعتقد أن تغيّر المناخ هو حقيقة واقعة. وتشير بيانات هذه الإستطلاعات إلى أن غالبية المسلمين يعتبرون تغير المناخ تحديًا مجتمعيًا مهمًا.

يشارك القادة الدينيون والمجتمعات الدينية بفاعلية في حماية البيئة والمناخ

GP0STYN0S - فعالية "التمويل الإجتماعي الإسلامي للعمل المناخي" في قمّة المناخ COP28، التي استضافتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (كجزء من تحالف أمّة لأجل الأرض)
GP0STYN0S – فعالية “التمويل الإجتماعي الإسلامي للعمل المناخي” في قمّة المناخ COP28، التي استضافتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (كجزء من تحالف أمّة لأجل الأرض)

لا تزال المجتمعات والمبادرات الدينية تلعب أدوارًا حاسمة في العمل البيئي حتّى اليوم، باستخدام استراتيجيات مختلفة مثل الدعوات إلى العمل ورفع الوعي والتعليم والتنظيم المجتمعي والعمل على الأرض.

أطلقت العديد من المنظمات والمؤسسات الدينية حملات للتشجيع على سحب الإستثمارات من الوقود الأحفوري داعية المجتمعات الدينية إلى التخلّص منه والاستثمار في بدائل الطاقة المتجدّدة.

توفّر غرين فايث GreenFaith، وهي منظمة بيئية دولية عابرة للأديان، برامج تدريبية وموارد وحملات لدعم المبادرات الدينية البيئية، بما في ذلك تلك المتعلّقة بسحب الاستثمارات من الوقود الأحفوري، والتسويق للطاقة المتجدّدة والدعوة إلى سياسات العدالة المناخية. تنظّم غرين فايث أيضًا نشاطات بيئية وتسهّل الحوار بين الأديان وبين القادة الدينيين والجهات الفاعلة البيئية وصانعي السياسات.

يهدف تحالف أمّة لأجل الأرض، وهو يضّم أعضاء مثل منظّمة الإغاثة الإسلامية عبر العالم والمؤسسة الإسلامية لعلوم البيئة (IFEES)، بالإضافة إلى منظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنظمة غرينبيس جنوب شرق آسيا، إلى المساهمة في بناء حركة مناخية من المسلمين في جميع أنحاء العالم إنطلاقًا من القيم الإسلامية لحماية المجتمعات الأكثر عرضة لآثار تغير المناخ. يسعى المشروع إلى إظهار كيف أن الثقافة والقيم الإسلامية يمكن أن ترشد لمستقبل أكثر استدامة مع العمل على رفع أصوات الشباب المسلم في المحادثات المناخية العالمية.

تشجّع القيم الروحانية والدينية على حماية البيئة واحترام الطبيعة

في ٢٠٢٣، تمّ تركيب 10 ألواح للطاقة الشمسية في مدرسة "دارول أفكار" الداخلية في إندونيسيا كخطوة نحو الإستدامة. نُفّذ هذا المشروع بالتعاون مع غرينبيس وأمة لأجل الأرض.
في ٢٠٢٣، تمّ تركيب 10 ألواح للطاقة الشمسية في مدرسة “دارول أفكار” الداخلية في إندونيسيا كخطوة نحو الإستدامة. نُفّذ هذا المشروع بالتعاون مع غرينبيس وأمة لأجل الأرض.

وفقًا لبعض التقديرات، فإنّ كوكبنا هو موطن لأكثر من 4000 ديانة ومجموعة دينية مختلفة. ويوجد في إطار هذا التنوّع عدد كبير من القيم المشتركة التي تمكّن مختلف الطوائف الدينية من العمل معًا من أجل تحقيق العدالة الإجتماعية والبيئية. الخلافة. العدالة. التضامن. التعاطف. التوازن. السلام. هذه قيم موجودة في الكثير من الأديان.

يؤمن الملايين من الأشخاص أنّ الخلافة على الأرض وصيانتها هما من أعظم أشكال التعبّد التي يمكنهم ممارستها. وهما جزء من كيفية ممارستنا لإيماننا وطرق للإعراب عن الإمتنان لوجودنا على هذه الأرض.

لدى التوجّهات الروحانية المختلفة كلمات محدّدة تعكس هذه القيم المشتركة، مثل المفاهيم التي تؤطّر العمل البيئي من قبل الجهات الدينية الفاعلة والتي تؤكّد على الخلافة على الأرض وعلى المعاملة الأخلاقية للبيئة. فالصوفية، على سبيل المثال، تعلّم الحفاظ على التوازن الطبيعي وأنّ تدمير الطبيعة يساوي تدمير مصدر المعرفة والحياة.

يدرك المؤمنون والجهات الدينية أنّنا جميعًا نتحمّل مسؤولية الحفاظ على التوازن البيئي واتّخاذ قرارات حكيمة اليوم لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة. نشكّل معًا قوّة فاعلة للوصول إلى كوكب صالح للعيش.