كما ألهمت رحلة الحج مالكوم اكس بقيمة المساواة في الإسلام وضرورة إلغاء التمييز العنصري بين أصحاب البشرة الملونة وتلك البيضاء، يمكن للإسلام إلهام العالم لحل مشكلة الفقر والفساد والتلوث البيئي. فالإسلام يمثل رحمة للعالمين بصائر للناس.

الحج الأخضر يبدأ بصدق التوجه وفهم النفس والزهد والسعي لتحقيق العدالة والأمن الإنساني والبيئي وشحن النفس بالطاقة المتجددة. هناك محطات ومعالم للتحول إلى مفهوم الحج الأخضر ويمكننا تلخيص محطات الشحن من خلال خمس محطات مستلهمة من آيات القرآن الكريم ودلالات رحلة الحج، لأن أُمّنا الأرض وعمّتنا النخلة فإن علينا مسؤولية عمارة الأرض لأن كل الكائنات أمم أمثالنا تسبح وتسجد للخالق.

المحطة الأولى: تبدأ من دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام بأن تكون مكة وهي وادي غير ذي زرع بلداً آمنا و أهله مرزوقين من كل الثمرات. وهذا التوجه ضروري لاستباق الخيرات والاستعانة والتوكل واستلهام المدد الروحي للتحول لمستقبل مستدام. يكمن جوهر الأزمة البيئية في غياب البصيرة الروحية والتعامل مع الكون كجماد بدون روح وغياب الوعي بروحانية الأرض (وإن من شيء إلا يسبح بحمده). يتجلى هذا التوكل والاستبشار في المستقبل في كلام السيدة هاجر لسيدنا إبراهيم عليه السلام عندما تركها مع طفلها في مكة حيث قالت (إن الله لن يضيعنا) لأن الله لطيف بعباده وهو الرزاق الكريم. الحج الأخضر يبدأ بإدراك الإنسان لدوره في الحياة بأنه مستخلف وشاهد وليس صياد ومستهلك. 

المحطة الثانية: هي تدبر معاني الطواف حول الكعبة وما له من دلالات كونية لفهم السنن والقوانين التي تحكم الكون وحركة الذرة والمجرة. فعندما يطوف المؤمن فهو يسير بانسجام وتوافق مع حركة الكون (كل في فلك يسبحون). لذا يكمن التحول نحو الحج الأخضر في فهم التوازن في الكون والحد من الفساد في البر والبحر بمعناه الواسع. إن تسخير طاقة الشمس واستخدام الطاقة النظيفة يعني بالضرورة فهم النظام الشمسي وعمليات تحول الطاقة الشمسية التي تجعل الحياة على الأرض ممكنة ومستدامة. الحج الأخضر يقتضي تسخير الطاقة النظيفة لخدمة الإنسان.

المحطة الثالثة: تتمثل رحلة الحج في حكمة السعي كما فعلت السيدة هاجر عليها السلام، وثمرة الجهد بعد بذل الجهد والسعي لسبعة أشواط بين الصفا والمروة والذي تلاها تفجر نبع الماء من بين الصخور. ثمرة الجهد تأتي بالماء والذي هو جوهر الحياة والتنمية. الحج كمنتدى إنساني لشهود المنافع المتعددة يقتضى التعارف الإنساني ونقل المعرفة والحكمة واستشراف المستقبل وعدم استنزاف الموارد الطبيعية، فالعصر الحجري لم ينته لأن الحجارة نضبت. الحج الأخضر يقتضي تسخير العلم والابتكار لخدمة الإنسان والتنمية

المحطة الرابعة: تعكس رحلة الحج فكرة تجدد حياة الإنسان وارتقائه وتحرره من العبودية للمال والقبيلة والعرق وتجاوز ثقافة الاستهلاك وتحقيق معاني الكرامة الإنسانية واحترام الحياة في البلد الحرام فلا تؤذي شجرة أو إنسان. هذا التجدد في التصور عبر رحلة الحج يعزز من أهمية احترام حقوق الإنسان والاحتفاء بالتنوع العرقي فلا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى. الحج الأخضر يعني تجديد الخطاب البيئي وبث الأمل في مستقبل مستدام.

المحطة الخامسة: رحلة الحج تسعى لتحقيق الأمن الإنساني والحياة الطيبة والبلد الطيب والطعام الطيب والتنمية الطيبة. وهذا يظهر جليا في دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام (رب اجعل هذا البلد آمناً) ويكون مفهوم الأمن عبر فهم التلازم بين الأمن البيئي والإنساني من خلال تحقيق أمن الماء والطاقة والغذاء. 

خلاصة القول إن الحج الأخضر يقتضي تخضير الفكر والعقل والخطاب البيئي ونمط الزراعة والنقل والتنمية لغرس بذور الأمل في مستقبل مستدام.

دكتور عودة الجيوسي
أكاديمي وباحث في التنمية المستدامة والابتكار