شاهين أشرف – رئيسة المناصرة والتوعية العالمية في منظمة الإغاثة الإسلامية

بينما تتصدّى باكستان اليوم للآثار المدّمرة لأسوأ كارثة شهدتها البلاد، تُطلق شاهين أشرف، رئيسة المناصرة والتوعية العالمية في منظمة الإغاثة الإسلامية، دعوة ملّحة للعمل المناخي.

ترزح باكستان تحث ثقل كارثة طبيعية غير مسبوقة  بمستواها وحجم خسائرها. الفيضانات تجتاح المجتمعات المحلية، ممّا يجبر الملايين على مغادرة منازلهم، مؤديةً كذلك إلى تدمير مصادر المياه، وإتلاف المحاصيل والماشية التي تتغذّى منها العائلات.

عند زيارته باكستان لدعم استجابة منظّمة الإغاثة الإسلامية، روى رئيسنا التنفيذي ما رآه من مشاهد مروعة للدمار. أخبرنا وسيم أحمد عن ما شهده من تدفق الأنهار على مجتمعات بأكملها وعن العائلات التي تواجه ظروفًا سيئة إثر انتقالها لملاجئ مؤقتة أقاموها على عجل على أي أرض مرتفعة تمكنّوا من العثور عليها.

تستمر جهود الإنقاذ والإغاثة بشكل بطيء ممّا يجعل الوصول إلى العائلات التي تمر بأزمة صعبًا، مع جرف المياه المتصاعدة للطرق وللجسور.

يغرق ثلث البلاد حاليًا تحت الماء، ويتعرّض ٣٣ مليون شخص للآثار. الأرقام مرعبة، لكنها للأسف غير مفاجئة. لسوء الحظ، كنا نخشى حصول هذه الكارثة منذ زمن طويل.

أدّى غياب العمل الفعال عالميًا إلى صيف الكوارث في باكستان

بدأ موسم الأمطار في شهر يونيو/حزيران في وقت مبكر في باكستان، ليصبح ما وصفته حكومتها لاحقًا بـ “الرياح الموسمية الوحشية لهذا العقد”. وقد أطلق الأمين العام للأمم المتحدة عليها الوصف المثير للإهتمام “رياح موسمية على المنشطات”. واجتاحت موجة حارة البلاد في يوليو/تموز ودمّرت البساتين، وحولت المزارع الخصبة إلى أراضٍ قاحلة، وأدّت إلى الذوبان السريع للأنهار الجليدية والتي يتجاوز عددها في باكستان السبعة آلاف. ترافقت الأمطار الموسمية الغزيرة غير الإعتيادية مع انهيار الصفائح الجليدية، ممّا أدى إلى تدفق المياه إلى الأنهار وانفجار ضفافها وغمر .الأرض, ومع ذلك، فقد زرعت بذور الكارثة قبل وقت طويل من صيف الكوارث هذا.

لقد تردّد وأخّر وماطل قادة العالم في المباشرة بالعمل المناخي الذي دعا إليه الكثيرون منذ زمن طويل، ومن بينهم منظّمة الإغاثة الإسلامية. لقد دعونا إلى إحداث تغيير في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ بنسخته السادسة والعشرين. يشّكل هذا الصيف الكارثي الأخير فرصة أخرى للمجتمع العالمي ليشهد عواقب غياب العمل المناخي، وهو نذير شؤم لما قد تواجهه البشرية إذا لم يتم اتخاذ خطوات فورية ودراماتيكية لخفض انبعاثات الكربون وإعادة إحياء النظم البيئية.

ومع ذلك، فإن الإجراءات الجذرية والعاجلة اللازمة لإنهاء الممارسات البيئية غير المسؤولة لم تُنفّذ بعد.

لا تزال باكستان من بين الدول العشرة الأولى الأكثر عرضة لتغير المناخ، وفقًا للمؤشر العالمي لمخاطر المناخ. وهي أيضًا عرضة لمجموعة واسعة من المخاطر الطبيعية والناتجة عن النشاط البشري، والتي تسبّبت في موجات عديدة من النزوح والهجرة الداخليين.

تدفع الدولة، التي تنتج أقل من ١٪ من البصمة الكربونية العالمية، ثمن تقاعس العالم.

الأكثر ضعفًا هم الأكثر تضرّرًا

إنّ الأشخاص الأكثر تضرّرًا هم العائلات التي فقدت كل شيء في هذه الكارثة والأطفال الذين يواجهون مستقبلًا هشًّا أكثر من أي وقت. بالنسبة لهم، لم يعد تغير المناخ فكرة مجردة عن ذوبان القمم الجليدية أو حرائق الغابات في بعض الأراضي البعيدة. إنه ليس مشهدًا خياليًا من فيلم مروع أو رواية حزينة.

إنه واقعهم، ولهذا، يجب أن يخجل العالم.

عقب هذه الكارثة، سيصبح النقص في الغذاء والماء والطاقة في باكستان أكثر حدّة، فيما تتصاعد التحديات الصحية، مع تضرر المستشفيات والعيادات وانتشار الأمراض التي تهدد الحياة بما في ذلك الملاريا والعدوى المنقولة بالمياه.

للأسف، فإن الفئات الأكثر ضعفاً في البلاد ستعاني أكثر من غيرها.

هناك حاجة ملّحة إلى دعم الجهود الإنسانية

تدعو منظمة الإغاثة الإسلامية المجتمع الدولي إلى الاستجابة بسرعة لمساعدة أولئك الذين يعانون في باكستان. هناك حاجة ماسة إلى تأمين مأوى وغذاء ومياه نظيفة ورعاية صحية ومساعدات نقدية.

تمكّنت المنظمة من الوصول إلى ٢٠٠٠٠ شخص متضرّر من الفيضانات من خلال العمل على مدار الساعة لتقديم المساعدات اللازمة، لكن الاحتياجات الإنسانية هائلة والتمويل ينقص. هناك حاجة ماسة إلى مزيد من التمويل حتى نتمكن من الوصول إلى المزيد من العائلات التي تعاني للبقاء على قيد الحياة.

تبرز حاجة حيوية إلى استجابة منسقّة أيضًا. وتقود منظمة الإغاثة الإسلامية الطريق في تنسيق الجهود تحت رعاية الأمم المتحدة والسلطات الوطنية، ونحث جميع وكالات الإغاثة على العمل معًا بطريقة مشتركة.

حان الوقت للاستيقاظ وللعمل

وإلى جانب تلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة الناشئة عن هذه الكارثة، تبرز أهمية أن يعتبر العالم هذه اللحظة على أنها دعوة للاستيقاظ، وأن يعمل من الآن لتجنب المزيد من الكوارث في المستقبل.

يجب على البلدان التي تسبّبت أكثر من غيرها بتغير المناخ الآن تكثيف ودعم الجهود لتجهيز المجتمعات الأكثر عرضة لحالة الطوارئ المناخية للتكيف مع آثارها. ينبغي للأماكن الأكثر عرضة لتغير المناخ أن تستثمر بشكل عاجل في تحسين مرونتها، والعمل عن كثب مع المجتمعات المحلية لإدخال أنظمة أفضل للإنذار المبكر وإدارة الكوارث وكذلك البنية التحتية الوقائية مثل الدفاعات ضد الفيضانات وإعادة إحياء الغابات والأراضي الرطبة.

فشل العالم في منع الكارثة التي تجتاح باكستان. لعلها هذه هي المرة الأخيرة التي نقبل فيها مثل هذا الفشل. حان وقت العمل الآن.