شاهين أشرف، الرئيسة العالمية للمناصرة في منظمة الإغاثة الإسلامية عبر العالم

يُعتبر الإستثمار في الإقتصاد الأخضر ضرورة بيئية ولكنّه أيضًا ضرورة أخلاقية للمسلمين في جميع أنحاء العالم، وفقًا لشاهين أشرف الرئيسة العالمية للمناصرة في منظمة الإغاثة الإسلامية عبر العالم.

تستوجب المبادئ الإسلامية، الخلافة للأرض والعدالة والميزان، منّا كمسلمين العمل لحماية كوكبنا ولضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة.

وفي حين يواجه العالم الآثار القاسية لتغيّر المناخ، أصبح الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون ملّحًا أكثر من أي وقتٍ مضى. دفعنا استمرار حرق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات والنشاط البشري المدمر للبيئة على شفير أزمة عالمية.

لا يمكننا الإستمرار في حياتنا كالمعتاد وعلينا أن نتخّذ مبادرات جريئة لمعالجة جذور وأسباب هذه الأزمة.

يدفع الفقراء أثقل ثمن لفيضانات باكستان

يختلف تأثير تغير المناخ وفقًا لمكان السكن.

يجبر تغيّر المناخ بعض العائلات على مغادرة منازلهم. في صيف عام 2022، شهدت باكستان فيضانًا كارثيًا دمّر البلاد على مدى أشهر عدة. وأودت الكارثة بحياة أكثر من 1700 شخص وتسبّبت بخسائر اقتصادية تزيد عن 3.3 تريليون روبي (15.2 مليار دولار). وكالمعتاد، تحملت الفئات الأكثر فقرًا العبء الأكبر.

ومن بين هؤلاء الأشخاص، كان عبيد وعائلته الذين فقدوا منزلهم في نوشكي بسبب مياه الفيضانات، وعاشوا بعد الكارثة في خيمة قدّمتها منظمة الإغاثة الإسلامية عبر العالم. لخّص عبيد معاناتهم، مشيرًا:”نحن فقراء، وجعلتنا الفيضانات أكثر فقراً”.

ساهم تغيّر المناخ بشكل كبير في الكارثة، التي نجمت عن هطول أمطار موسمية شديدة أكثر من العادة وذوبان الأنهار الجليدية.

كانت الحالة بالغة السوء لدرجة إعلان باكستان لحالة طوارئ في 25 أغسطس. وأصبح هذا الفيضان أكثر الفيضانات دموية في العالم من ناحية الضحايا منذ فيضانات جنوب آسيا لعام 2020. ووُصف بأنه الأسوأ في تاريخ باكستان. كما أنّ الأضرار الهائلة التي سبّبها الفيضان جعلته أحد الكوارث الطبيعية الأكثر تكلفة في العالم. وممّا لا شك فيه أن رحلة البلد إلى التعافي ستكون طويلةً وصعبةً.

إنّ تغيّر المناخ هو عامل مساهم في المجاعة في بلدان القرن الإفريقي

تواجه بلدان القرن الإفريقي أزمة مجاعة حادّة تركت ملايين الناس في حاجة ماسّة إلى الغذاء والماء والمساعدة الطبية. نجمت المجاعة عن مجموعة من العوامل منها الجفاف والصراعات والنزوح.

تُعد دول هذه المنطقة مثل الصومال وإثيوبيا وكينيا من بين أكثر البلدان تضررًا من الأزمة. أُجبرت العديد من العائلات على الذهاب من منازلها بحثًا عن الطعام والماء، ممّا جعل أفرادها عرضةً للأمراض وغيرها من المخاطر.

هذا الوضع بالغ الخطورة وخصوصًا للأطفال وهم غالبًا الفئة الأكثر عرضةً لآثار المجاعة. وارتفعت معدّلات سوء التغذية بشكل كبير، إذ يعاني العديد من الأطفال من سوء التغذية الحاد والذي يتطّلب رعاية طبية فورية. ونقل الزميل في منظمة الإغاثة الإسلامية عبر العالم إسماعيل حسين قصة معاناة غير مسبوقة: “لم أشهد مثل هذا الموقف في حياتي. يموت العديد من الرضّع والأطفال بسبب سوء التغذية والحصبة. إذا استمر النقص في الأمطار هذا فإننا نتوقع المزيد من الوفيات”.

يعيش إسماعيل في بيدوا، إحدى أكثر المناطق تضرّرًا في الصومال. تستضيف المنطقة حاليًا أكبر عدد من النازحين في البلاد بعد العاصمة مقديشو. وارتفعت فيها أسعار المواد الغذائية المحلية بشكل كبير حيث بلغت تكلفة الأطعمة الأساسية مثل الذرة الحمراء والذرة البيضاء 75٪ أكثر من العام الماضي.

المساعدات الإنسانية والحلول الدائمة أمران حيويان

بالإضافة إلى تقديم المساعدة الفورية للأشخاص الأمّس حاجةً إليها، هناك ضرورة لإيجاد حلول طويلة الأمد لمعالجة أسباب المجاعة من جذروها، ومن بينها تغير المناخ والصراعات والفقر.

من خلال العمل معًا كعاملين في المجال الإنساني، يمكننا المساعدة في منع الأزمات المستقبلية من الحدوث وضمان حصول العائلات في منطقة القرن الأفريقي على الموارد التي تحتاجها لتزدهر.

لحسن الحظ، هناك اعتراف متزايد بين الحكومات والشركات والمجتمع المدني بأن الاستثمار في الاقتصاد الأخضر ليس ضروريًا فحسب، بل إنه منطقي أيضًا.

إذ تتمتّع الطاقة المتجدّدة وكفاءة الطاقة والزراعة المستدامة وغيرها من التقنيات الصديقة للبيئة بالقدرة على خلق الملايين من الوظائف الجديدة وتحفيز الابتكار وتعزيز النمو الاقتصادي، بالإضاف إلى خفض بصمتنا  الكربونية وحماية الكوكب.

يمكن للتمويل الإسلامي أن يدعم الاقتصاد الأخضر

يعد الاستثمار في الاقتصاد الأخضر اختيارًا ملائمًا من وجهة نظر التمويل الإسلامي، فهذا الأخير مبني على مبادئ تقاسم المخاطر والإنصاف والمسؤولية الإجتماعية، ويعطي الأولوية للإستثمارات ذات الفوائد الاجتماعية والبيئية الفعلية. يحتّل قطاع التمويل الإسلامي موقعُا فريدًا لدعم الإنتقال إلى الإقتصاد الأخضر وذلك بفضل السجل الحافل الذي يتمتّع به في الاستثمار في البنية التحتية المستدامة والطاقة المتجددة وغيرها من المشاريع المفيدة بيئيًا.

علاوةً على ذلك، يمكن أن يساعد الاستثمار في الإقتصاد الأخضر في معالجة بعض التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية العميقة الموجودة في المجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم.

كما يمكننا المساعدة في بناء مجتمعات أكثر مرونة وشمولية وضمان حصول الجميع على الموارد والفرص التي يحتاجونها للازدهار من خلال تعزيز التنمية المستدامة وخلق فرص عمل صديقة للبيئة.

باختصار، فإنّ الاستثمار في الاقتصاد الأخضر ليس واجبًا أخلاقيًا في اليوم الدولي لأمنا الأرض لهذا العام فحسب، بل هو أيضًا قرار اقتصادي ذكي يمكن أن يفيدنا جميعا. تقع على عاتقنا، كمسلمين، المبادرة لحماية كوكبنا وتعزيز العدالة الاجتماعية وخلق مستقبل أفضل للجميع.

 لذلك دعونا نقبل هذا التحدي المتمثل في بناء عالم مستدام وعادل، ولنعمل معًا لخلق مستقبل أفضل لأنفسنا وللأجيال القادمة.